زلزال لبنان وفتح طرق التسوية!

إنفجرت مجموعة أزمات دفعة واحدة في ساحة لبنانية بالغة التعقيد، وأُربكت أطراف الإئتلاف الحاكم، بفعل دخول الشارع لاعباً جديداً، في لحظة إقليمية متحركة فُتحَ فيها باب التفاوض على مصراعيه، بموازاة إستشراس كل طرف على تثبيت مواقعه وجني مكاسب اللحظات الأخيرة من خلال الضرب تحت الزنار، بدءًا بالهجوم الصاروخي على أرامكو، وإستهداف ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر، ومروراً بالاحتجاجات الدموية في العراق، والدخول التركي المبرمج أميركياً روسياً شمال سوريا، وإنهاء ابو بكر البغدادي بتعاون دولي-إقليمي، كل ذلك يسير في خط موازٍ لإنهاء حرب اليمن، وإطلاق التسوية في سوريا.

ما يجب التوقف عنده :

@ سبقت أكبر إحتجاجات شعبية في لبنان مواقف سياسية متقدمة أطلقها وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تتعلق بالذهاب الى سوريا وإعادة دمشق الى الجامعة العربية، وهنا يحلو لبعض الدوائر الربط مع الثورة التي إطاحت بالرئيس السوداني عمر البشير بعد زيارته دمشق وتطبيع علاقاته مع نظام الأسد!

@ عنوان محاسبة الفاسدين، كلن يعني كلن، شكل “حاضنة” نزول مئات آلاف اللبنانيين الى الشارع في مختلف المناطق، ويأتي ذلك بعد أسابيع على حملة مفاجئة شهدها النظام السوري، ذهب ضحيتها عدد من رموزه المالية، ذكرت تقارير أن عددهم وصل الى 30, وعلى رأسهم رامي مخلوف، وهدفها إستعادة مليارات الدولارات، ورسم توازنات جديدة داخل دائرة النظام الضيقة وسط أزمة مالية ونقدية وإقتصادية حادة، ويبدو بحسب تقارير متقاطعة أن موسكو ليست بعيدة عنها!

@ طوق العقوبات الأميركية الذي نجح نسبياً في الضغط على النظام في ايران وحلفائه، والذي قد يتوسع لبنانياً، بحسب تسريبات متلاحقة، يستهدف حلفاء حزب الله، وبيئته الحاضنة، حيث لا حصانة لا لموقع رسمي ولا لمصرف، وتربط دوائر مراقبة بين تحرك الشارع الشيعي الإعتراضي تحت شعارات مطلبية وبين تراجع تقديمات حزب الله ، المترافق مع وصول أرقام الفقر والبطالة في لبنان عموماً الى مستويات خطيرة جداً.

@ تزامن الاحتجاجات في لبنان، مع موجة إحتجاجات دموية ومتكررة في العراق، عنوانها مطلبي معيشي، تطالب بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وتهدف الى قلب التوازنات داخل الحكومة العراقية، ومن الملفت أنها تنطلق من الجماهير الشيعية، وتستهدف النفوذ الإيراني في العراق.

ما يجب متابعته:

@ كل ما سبق يدفع حزب الله للتوجس من تحرك الشارع اللبناني المتواصل منذ 13 يوماً، وقد ترجم ذلك بكلام متصاعد حول ضرورة منع هذه الانتفاضة من تحقيق مفاعيل داخل السلطة، وسعى الحزب لضبط شارعه أولاً، والتمسك بالوزير باسيل من ناحية أخرى، لمنع خصومه السياسيين من قطف ثمار حركة الشارع، على حساب حلفائه.

@ يجد الرئيس الحريري نفسه أمام خيار واحد، ولأسباب متعددة، وهو البقاء في السلطة، ولا إستقالة لهذه الحكومة قبل التفاهم على شكل الحكومة المقبلة، تفاهم يبدو أن نضوجه يحتاج الى المزيد من الوقت، في حين يمرّ الوقت ثقيلاً على وضع متأزم مالياً وإقتصادياً، وسياسياً وإجتماعياً، وهنا رهان على استمرار دعم المجموعة الدولية له من جهة، وعلى تفسخات الحركة الاعتراضية وتعب الناس، ونجاح التيار الوطني الحر، في إعادة التوازن للشارع، لإعطاء الغطاء للجيش اللبناني في فتح الطرقات، ونزع ورقة التفاوض الأهم التي يملكها الشارع المنتفض.

@ تقود فرنسا المجموعة الدولية الراعية ل سيدر في التمسك بشدة ببقاء الرئيس الحريري في السلطة، فيما نقلت دوائر متابعة موقف أقل تمسكاً به من قبل الاميركيين والبريطانيين، الذين بدأوا ينحون الى حكومة إختصاصيين كاملة، كحل وحيد وصدمة إيجابية قد تعيد الثقة بين الناس والنظام ككل.

@ سعي الأفرقاء السياسيين لركوب الموجة الشعبية، ومحاولة استخدامها لتصفية حسابات سياسية داخل السلطة، وهنا تتقاطع مصالح جعجع-جنبلاط لإزاحة باسيل من الحكومة، ويبدو رئيس المجلس نبيه بري غير بعيد عن هذا الهدف ضمنياً، لكنه يسعى للتمسك بالثنائية الشيعية، والتنسيق التام مع حزب الله.

@ تعرض التيار الوطني الحرّ الى تفسخات محددة، ولكن يبدو أن قدرة الوزير باسيل على ضبطها مازالت مرتفعة، بفضل دعم من رئاسة الجمهورية، وهنا يسعى باسيل الى استنهاض جمهوره، وشد عصب قواعده، وتحويل الانتفاضة الشعبية، الى صراع سياسي بحت، مستخدماً شبكة نفوذ وضغط، تتضمن البلديات، النقابات، داخل وسائل الاعلام، وهنا لا بد من التوقف عند معركة رئاسة الجمهورية، التي تبدو مفتوحة بقوة، وقد يخرج من رحم أكبر موجة احتجاجات شعبية يشهدها تاريخ لبنان المعاصر، خاسر واضح، ورابحون محتملون.

@ من يقود الإنتفاضة الشعبية؟ سؤال يسعى الجميع لتحديده، كلٌّ لاهداف خاصة، فالسلطة تسعى لتطويع تلك القيادة، في حال تشكلها، ومن يملك أجندات حزبية، أو خارجية يسعى للاستثمار فيه، وفي الواقع لا قيادة واضحة في الأمد المنظور، لأن حجم هذا الاعتراض برقعته الجغرافية، وتداخله الطبقي، والطائفي، والعمري، يجعل من اي طامح لقيادته، شخصا ً كان أم مجموعة، عرضة للسقوط السريع. وهنا توقفت دوائر متابعة عند تشكل “عاميات” للانتفاضة، نقابية، مناطقية، جامعية، والتفاعل لنحو اسبوعين في الساحات، بين مجموعات طلابية، وجمعيات أهلية، بعضها حزبي سابق، وبعضها طابعه اجتماعي، والترابط بين لبنان المقيم ولبنان المغترب، في السعي لدعم الانتفاضة، ومدها بالزخم والأفكار الآيلة لعدم حرفها عن هدفها الأساسي، الا وهو محاسبة الفاسدين، كلن يعني كلن، فهل تنجح تلك المحاولات في لعبة عض الأصابع مع سلطة إمتهنت الحكم لسنوات طويلة؟ أم أن الوقت يلعب لمصلحة الاحزاب، بفعل تنظيمها وتمويلها، وستنجح في تحييد الشارع المعترض تباعاً وعلى مراحل؟

أم أن الناس حددت الأسباب للإنهيار الحاصل وهي مصممة للبقاء متحدة بهدف محاسبة مسببيه ومحاسبتهم!؟

خاتمة:

جزمت دوائر متابعة ل thinkers4me أن لبنان خارج دائرة التفاوض الإقليمي الدولي، أقله حتى اللحظة، فالأولوية هي لليمن، والعراق، وسوريا التي رسمت زيارة الرئيس بوتين للسعودية والإمارات، والتفاهم الاميركي-الروسي-التركي ملامح تسويتها العريضة، لذلك على اللبنانيين أنفسهم تحديد مسار ومصير بلادهم، وقراءة المشهد الداخلي بعمقه وشموليته وإستخلاص العبر للخروج بحلول على مقدار التحديات !

@

أضف تعليق