إمكانيات عزل المحقق طارق البيطار بين الواقع..والوقائع..والتداعيات!

صورة

مع تبلغ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار طلب الرد المُقَدَّم من قبل محامي المدعى عليه في ملف تفجير مرفأ بيروت النائب والوزير السابق نهاد المشنوق، وتعليق التحقيقات إنتظاراً للبتّ من قبل محكمة الإستئناف، إندلعت في لبنان “أُمّ المعارك” القضائية بكافة تشعباتها وتداعياتها المرتقبة، وهي بكافة سيناريوهاتها، ستترك بصماتها الدامغة على حاضر ومستقبل لبنان المأزوم وإنتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه.

طلب الردّ هذا أتى في إطار حملة ممنهجة ومتناسقة قامت بها كافة الجهات المتضرّرة من تحقيقات القاضي بيطار، وسعيه لفكفكة الغاز الإحتفاظ وتغطية هذه الكميات الهائلة من المتفجرات طوال سنوات وسنوات داخل مرفق يعجّ بالأجهزة الأمنية والعسكرية وبالقرب من إحدى اكثر المناطق إكتظاظاً بالمدنيين من العاصمة بيروت.

كسر المُحقق بيطار “حصانات” وتجاوز خطوطاً كانت تُعتبر حمراء منذ تأسيس لبنان قبل اكثر من مئة عام، من خلال طلبه للتحقيق وإدعائه على مسؤولين كبار حاليين وسابقين، ولعل ما دفعه للإقدام هي فظاعة وكارثية تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس عام 2019 وفاتورة الدم والدمار الضخمة التي تكبدها اللبنانيون، وما يزالون.

دوائر متابعة لمجريات التحقيق توقفت ملياً أمام زيارة وفيق صفا مسؤول وحدة التنسيق والإرتباط في حزب الله لقصر العدل في بيروت، وإجتماعه برئيس مجلس القضاء الأعلى وعدد من المسؤولين عن الجسم القضائي، وبين رسالة “تهديد” قيل أن صفا حمّلها لإحدى المراسلات في شاشة لبنانية الحّت على إبلاغها للقاضي بيطار بعد متابعة هاتفية حثيثة معها من قبل أحدّ الوجوه الدائمة الظهور عبر الشاشات والمعروفة بقربها من دوائر الحزب وأحد المسؤولين الأمنيين المُدَّعى عليهم في ملف تفجير المرفأ ،وسرعان ما قام زميل لها بنشر “تهديد صفا” للقاضي بيطار عبر وسائل التواصل، لتواكبه النيابة العامة التمييزية في بيروت من خلال كتاب طلبت فيه من المحقق بيطار مراسلتها بما جرى بالتفصيل، وكأن ما جرى هو منسّق وفي إطار متسلسل، لتحقيق مجموعة أهداف:

-1- محاولة مُفتعلة ل”خلق خصومة” مع القاضي بيطار، وتخويفه وزعزعة مهنيته، حيث سبق ونجح في إحتواء كافة الإنتقادات التي وجهت اليه مباشرة عبر أمين عام حزب الله تكراراً، أو عبر السياسيين او الامنيين او العسكريين موضوع تحقيقاته، او عبر أقلام وفبركات وكميات هائلة من الدسّ والتهويل. فقد إلتزم المحقق طارق البيطار أصول عمله وآثر الإبتعاد عن الإعلام والتسريبات، وحتى اللحظة يتسم ملفه بالسرية لناحية الأدلة والوثائق الى حد كبير، على عكس كافة الملفات الأخرى!

2- ظهور ملف “نيترات البقاع” والذي واكبته حملة مكثفة من تسريبات من نفس الجهات على أنه مطابق ل نيترات المرفأ، وتم ضخّ ممنهج لمعلومات بدا وكأن الهدف منها حرف مسار التحقيقات الحالية ، والتي كانت أنجزت جمع كافة المعطيات المتعلقة بالشركات ومالكيها التي أستوردت النيترات، التأكد من صدقية وواقعية ارتباط عملية التلحيم بالحريق، وبالتالي احتمالات تحول حريق عرضي الى أحد أكبر التفجيرات غير النووية في التاريخ، إضافة الى مسح كافة المستندات والمراسلات منذ لحظة دخول النيترات الى مرفأ بيروت عام 2014، حتى لحظة تفجيرها .

3⁃ ممارسة أقصى الضغوط على القاضي بيطار وعلى رئيس مجلس القضاء الأعلى للسعي لتطويع التحقيق وفق مصالح القوى المهيمنة على السلطة وأرض الواقع، ولعل هذه المحاولات تسعى لإختبار مدى التأييد للقاضي بيطار داخلياً خصوصاً داخل دوائر السلطات السياسية والقضائية والروحية ومدى تمسك الفرنسيين والاميركيين والبريطانيين بالمحقق بيطار والمسار الذي رسمه، خصوصاً أن نجاح حكومة ميقاتي في التخفيف من وطأة الأزمات الخانقة مرتبط بشكل وثيق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي-الممسوك من دوائر واشنطن- ومحاولة إختراق العزلة الخليجية.

لمحاولة ترقّب ما قد يحصل لا بد من متابعة:

⁃ مدى الاحتضان الشعبي للقاضي بيطار وهذا سيظهر في التحرك المُقرر غداً امام قصر العدل في بيروت، وقدرته على تأمين غطاء لمرجعيات سياسية وعسكرية وقضائية للوقوف بوجه الساعين لتطيير القاضي بيطار، وهنا لابد من التوقف عند نقطة مهمة وهي إمكانية تضرر شعبية التيار الوطني الحرّ بشدة في لبنان عموماً وبيروت تحديداً، في حال تم إقصاء المحقق بيطار.

⁃ مدى تمسك واشنطن وباريس ولندن بهذا المسار القضائي، خصوصاً أن معطيات مهمة حول الشركات التي استوردت النيترات تم الحصول عليها من المحاكم البريطانية، وهناك توقعات بأن تقريراً فرنسياً شاملاً حول الاحتمالات والأدلة قد يُسلّم الى المحقق بيطار في الأيام المقبلة، فيما تبدو اولوية واشنطن ترسيم الحدود الجنوبية وهنا هل من إمكانية لحدوث صفقة ما تكون على حساب التحقيق بتفجير المرفأ!؟

⁃ مدى إرتكاز طلب الرد من جهة والإرتياب المشروع من جهة ثانية على مستمسكات قانونية وإجتهادات، وهنا تجزم دوائر قضائية متابعة، أن وحده الخضوع للضغوط قد يدفع القاضي ايليا، والقاضية كفوري الى تنحية المحقق بيطار، لأن نص الإجتهادات والقوانين المرعية الإجراء في نظام عمل المجلس العدلي تحمي ما أنجزه القاضي بيطار حتى اللحظة والأولوية هي لصدور قراره الإتهامي والذي أصبح وشيكاً على ما يبدو .